بقلم : أبو نواس راضي.
ألِفْنا المكوث في طوابير الانتظار الطويلة والمملة دون نحرك ساكنا، و اعتدنا أن نتدافع ونَرْفَس ونَسْحل بعضنا عندما تفتح أبواب المكاتب كما أبواب الملاعب ، فبتنا أشرس من أسود براري إفريقيا وحشيةً، لا مجال للضعيف بيننا، اكتسبت حواراتنا نقيق ضفادع المستنقعات ، وضجيج ضباع السفانا ، حيث اللغو الطائش لا مخاطب ولا منصت، ( كلها يلغي بلغاه) ، لا ندري كيف ولا متى حصل هذا ؟ بقدر ما ندري أننا هكذا باتت وأصبحت ، شوارعنا ، أزقتنا ، مؤسساتنا، واقعنا…. إنها قصة ً بدأت ولا ندري كيف ولا متى ستنتهي ، فقط أننا بتنا نعي أننا نعيش في الفوضى.
لا شك أن التنظيم و الإنضباط أصبحا أمران يستفزانِنا، و يصيبانِنا بحساسية جلدية مفرطة، حتى أن الشخص المتصف بهما بيننا بِتْنَا ننظر إليه على أنه حالة استثناء ، وأنه شخص غير سوي، ألفنا العبث بحقوقنا وتهاونا في أداء واجباتنا، امتزج الجد و الهزل في شخوصنا، وسيطرت العبثية والفوضى على نفوسنا، فتلاشت أحلامنا كوريقات الصفصاف وسط رياح الخريف اللولبية، و فجَّرف سيل الاندفاع والطموح اللامقيد كل قلاع آمالنا المعلقة.
في هذا الوضع الفوضوي تكاثر الفطريات في جسمنا ، فلعبت دوراً في مضاعفة أزمته، و تعفينه، فزادت من ذلك و جعله ملائما أكثر لنموها، فتكالبت الباكتيريات بمختلف تلويناتها لإنهاء مهمة النهش بشكل أكثر فعالية، فأصبح منخورا عرضة لأهون العثرات من شدة فقره للمناعة، و أصيبت حيويته بشلل فالج، و ضاقت أنفاسه وكثرت كَحَاتِهِ، فيما زادت الفطريات سمنةً، و ضاعفت من مستوى النهش و التكاثر.
يبدو أن أصبح ضرورة ملحة للتعافي من هذا الوباء المدمر، أن نعيد النظر في سلوكنا، و إعادة النظر في تصرفاتنا الأنانية ، وعلاقاتنا ببعضنا ، و مع أنفسنا قبل الغير ، في البيت قبل الشارع، و في المدرسة قبل مكتب العمل، هكذا يجب أن نلقح أنفسنا ضد مرض الفوضوية، لركوب قطار التنمية والتطور ، فهذا الأخير يشترط في امتطاءه الشفاء التام لكل الراكبين، فأي تعفن أو تخمج يمكنه أن يعطل الرحلة.