بقلم : أبو نواس راضي
أظهرت بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، من مدى هشاشة الأنظمة العربية، و نسبة مستوى الغضب الأسود الذي يشعر به المواطن العربي تجاه حاكمه، ومن جهة ثالثة أبرزت أن الإنسان العربي لم ينل حظه من التلقيح ضد التيارات الباردة الآتية من المحيط غربا.
هبت رياح الخريف الخفيفة على المنطقة ، فتناثرت في السماء صروح الأنظمة الحاكمة كأنها أكوام القطن، و خارت قلاعها الرملية مع أول القطرات، فخرجت طوائف و فصائل تهلل بانتصاراتها الكرتونية، بينما هي مجرد عرائس و دمى تم تزيينها و حياكة قفاطينها في أروقة الموضة بالعواصم الغربية، و تفننت أنامل في وضع مساحيق التجميل وعلى محياها، و أبدعت بأساليبها الخداعية في مَنْكَرَة ( manucure) وبَدْكَرَة ( pédicure ) الأيادي والأرجل حتى تبدو ناعمة لئلا تحمل أوزار بناء أوطانها.
بعد توالي الإسقاطات ، دُمرت المدن والأرياف والمداشر ، و هُدت البيوت والخيام و الأكواخ على رؤوس آهاليها وهي تحتضر، وشردت و رُحلت الأسر ، و ٱقتُلِع الشجر والحجر، و كَثُرت الأنقاض والحفر، و امتزجت رائحة المياه العادمة برائحة دماء البشر، خرج الإعلام بالخبر، وتناقلت الصحف بلاغ من البيت الأبيض و الأسود والأصفر ، معلنا أنه لأحداث ، دير الزور، حمى ، صنعاء ، القاهرة ، دوار اللؤلؤة ، بغداد، وبنغازي … يشجب وبقوة يستنكر، وهناك لما شاع بلاغ الاستنكار في صفوف الجيل الثاني من فصائل الاستعمار، منهم من أعلن الولاء في انتقام ذاتي لعصابة قندهار، ومنهم من نصب نفسه زعيما للثوار، وهو لا يملك شجاعة بغل ولا جرأة حمار.
هكذا ضاعت زهرة الأوركيدا العربية، و أُتلفت بذور لقاحها ، و أُسقط تويجها الوردي تحت حدافير بغال الجيشنة العربية، و أقتلعت غدرا جدورها ،وأُنبت فطر الغراب في رياضها، و دمرت معها دوحة الزيتون، و قُطع رباط الدوالي، و ُوأدت أحلام دمشق وحلب وصنعاء، ونالت القاهرة نصيبها من القهر، واصفرت خضرة تونس، و أُوقعت حدائق بابل المعلقة رفسا، وخرفت لبنان من أرزها، وانهار قلاع البتراء و حصون الجرش، جفت مياه نهر ليبيا الاصطناعي بجفاف حناجر من ريقها، وهي تردد فليسقط… يسقط النظام.