بقلم : أبو نواس راضي .
دعونا نتحدث بهدوء و بصراحة وبكل جرأة ومسؤولية، أننا نعاني من غياب القدوة في المجتمع، فهي من أوصلت مجتمعاتنا الى هذا الوضع المتردي، وإلى هذا التخلف والانحطاط، دعونا نقر بكل موضوعية أننا اتخذنا من الفاشلين و التافهين في المجتمعات نموذجا يحتدى به لناشئتنا، ورسخنا في عقولهم الفتية أن المادية عصب الحياة، فبات الوصول لها حلم دون مراعاة السبل، فمررّنا بقصد أو بغير قصد أن العمل وفق المبادىء الحقة هي آخر شيء يمكنها التفكير فيه، ولا يهم تركها جانبا مقابل الوصول للهدف ولو على حسابها.
دعونا نضع لدقيقة أعيننا صوب المرآة ، ونركز لبرهة في ملامحنا ، لتخبرنا هذه الأخيرة أن قدواتنا هي مجرد أبطال كرتونية مهما اختلفت مجالاتها، تم صناعتها وصياغتها لتبدو ميثالية خالية من العيوب، ومثيرة تشبع رغباتنا وأحلامنا، وتسد مقلنا لتوهمنا على أشياءنا الحقيقية، رغم كل هذا الاتقان والتفنن في صناعة قدوات مزيفة، فهي غير كافية لتحقيق الرغبة المثالية للمرء، و هنا تكمن الخطورة وتتعمق الجراح، تسليما بمنطق الحصون الرملية تنهار مع وصول أول المد.
فهذا الطيش المجتمعي، وهذا التخادل الذي تعرفه المجتمعات العربية على وجه الخصوص ، ما هو الا ثمرة فاسدةأنتجتها سياسة تصنيع قدوات مجتمعية واهية، فليس هناك مجتمع فاشل بقدر ما هنالك وسائل لجعله كذلك، وعلى سبيل الحصر ما تم ذكر سالفا، من خلال إقبار القدوات الحقيقية والناجحة، وإبدالها بأخرى تخدم أجندات معينة متوسطة وبعيدة المدى إلا دليلا صادقا على ذلك، يبدو للبعض انه امرا مستبعداً، لكنها حقيقة يجهله الكل، فحينما نصنع لجيل قدوة فاشلة في مجال ما، نكون قد أبعدنا اهتمامه بالمجال الذي يهمنا، فيسهل علينا التحكم فيه بالشكل الذي يمنع أي طرف منافستنا فيه، حتى وإن استفاق وتمرد هذا الجيل نفسه، فهو لن يقوى لسبب عدم امتلاكه قوة المبدأ وثبات الموقف، ببساطة لأنه مهزوز الداخل، بالتالي يبقى بين خيارين أحلاهما مرٌ ، إما الانصياع المرادف للإذلال، وإما التمرد و العصيان المفديان الى الخراب ودول الربيع العربي نمودجا.