بقلم : أبو نواس راضي.
دعونا نحبس أنفاسنا لثانيةٍ، ونسحب زفيراً عميقاً، ونقولوها بكل صراحةٍ، الفقر ولا الجوع كانا سببا في فاجعة الصويرة، دعونا نتحلى ولو لثانيةٍ بعيونٍ مفتوحةٍ و بقليل من الجرأة، ونعترف أن الجوع بريءٌ من الفاجعة براءةَ الثوب من دم يوسف، دعونا نجزم أننا نعاني فقراً أشد ألماً من ألمِ الأمعاء الفارغة، دعونا أن لا نخفي الحقائق المرة بالمنخال بأنفسنا، ونبتلع الغُصة في تأفف وتَألم و نُقِر بأن كل ما ينغس سعادتنا و يشوش صفاء فكرنا بأخبارٍ محزنةٍ على مدار الساعة ، هو حصيلة لسنوات من زرع العواصف، لسنوات من إعدام الضمير عوض اعدادها، لسنوات من تضليل الشعب عوض تدليله، دعونا نقول بصدقٍ كفى من صناعة شعبٍ تافهٍ، و ٍقطيعٍ لا يفكر الا في التدافع للنجاة بنفسه من عصا الراعي و جور الزمن عليه، غير آبهٍ بالأسلاك الشائكة و الخنادق أمامه.
فما حدث بالصويرة هو جزءٌ بسيطٌ، أو أنه بدايةٌ لمرحلةِ قطاف ثمار تطبيق سياسات ، ” جَوَّع كلبك يتبعك.” و تحطيم قواعد الاستقلالية الذاتية في المجتمع، مع تعمد حقنه بأمصال الاستهلاكية السامة و الاتكال على الغير عبر سنوات، من خلال تفقيره حتى يصبح أكثر أنانية طبقا لڤيْرَسَة المثال القائل ” أنا ومن بعد الطوفان. ” حتى يبات يفكر فقط في نفسه.
ومن يقول أن فاجعة الصويرة هي مسألة جوع ولقمة عيش ، سأذكره بفاجعة الستاتي ومهرجان موازين ، سقوط و تدافع الجماهير في مباراة نهاية كأس العرش يوم الاستقلال برسم موسم 2016/ 2017بمركب مولاي عبد الله عشية السبت قبل فاجعة الصويرة بساعات قليلة، وحالات التدافع اليومي في المكاتب و محطات الحافلات … هل هذه الحالات سببها الجوع أيضا !؟ نعم فعلا سببها الجوع الباطني الذي لا يبدو للكل، جوع أشد و أعسر ، إنه جوع العقل والقلب، جوع لن تكفيه أشهى الأطباق وألذها، فالجلوس خمس دقائق أمام المائدة كافية لأن تشعرنا بالتخمة ، بينما جوع العقل والقلب لن تكفينا العقود ولا الأجيال لإشباع رغبتنا في الوعي، تلك الرغبة السرمدية التي تفوق لذة الأطباق بمختلف الأذواق، وباتت تنافس سكرة الموت تلذذاً.
كم نحتاح الى فاجعة لنعي أننا نفتقر الى أن تفيض سيول مداد وعينا، على عكس أن يسيل فَمنا لُعاباً، نحتاج الى أن نخجل من التفكير في فعل سلوكنا السيء نيةً، مؤمنين أن النية أبلغ من العمل، نحتاج الى أن نحترم ذواتنا قبل أن نحترم الآخر مُخْلِصِين بأن العلاقة اعتباطية بيني وبين ذاتي وبين الآخر، نحتاج أن نستمتع بوجودنا مع في الشارع العام، و السوق الأسبوعي، و أمام منصات المهرجانات و الشاشات العملاقة ، وفي مدرجات الملاعب، فالحياة ليست فقط لهث وراء الملذات، فهي الحياة أكبر من أن تكون هكذا ، فهي ثقافة العيش معا في تلاحم وحب وتعاون، واذا ما عِيشت غير هكذا فلا تسمونه ظلما بحياة.