صباح الدم يا عرب …أقصوصة الغوطة!

jamal16 مارس 2018آخر تحديث :
صباح الدم يا عرب …أقصوصة الغوطة!

بقلم عمر السطي

أشعل التلفاز يا بني، و نادي الخادم ليأتيني بفنجان الشاي الصباحي, فلي موعد مع برنامج “صباح الدم يا عرب”! ذاك هو لسان حالنا حتى لو تمحكنا ببعض التغريدات، و الهاشتاغات، لنقول: “لك الله يا غوطة “نمضي إلى حال سبيلنا، وإذا كان هذا هو حالنا نحن “العرب” و “المسلمين”، الذين ما فتئنا نتبجح بعروبتنا و إسلامنا؛ و نسرد بطولات الأبطال، و أمجاد القادة من مثل خالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي، و يوسف ابن تاشفين، و المعتصم، فما بال الغرب و مجلس الأمن، و الأمم المتحدة، وأمريكا، وروسيا، هل ننتظر أن تستنفر طائرات ترامب لتفك الحصار؟ ما أقبح الجبن حين يغلف بدموع الأسى، و يلبس لباس الضحية…! ألم تفهموا بعد أن قضية الغوطة أصبحت مجرد أقصوصة تتكرر بين الفينة و الأخرى، و أن نفس المشاهد ستتكرر إن في الغوطة، أو في حلب، و أو في رابعة، أو في البوسنة، أو في ميانمار، ما لم تقف الشعوب المكلومة وقفة رجل واحد من أجل رد الاعتبار، و من أجل انتزاع حق الكرامة المهدور، فليست القضية قضية قتل وفقط؛ إنما القضية قضية “دم رخيص” في مقابل “دم غال و ثمين” و تلك قصة أخرى… فالدماء تباع و تشترى، و سعر الدم لا تحدده البشرة البيضاء! و لا الأعين الزرقاء! إنما تحدده القوة؛ فبقدر قوتك و ما تمتلك من اقتصاد قوي، و قدرة على شن حروب تدمر الكرة الأرضية مرات، أو تدمر المجرة؛ يكون دمك أغلى، و ترتفع أسهمك ليصبح الرأس الواحد يساوي مئات الرؤوس من البشر الذين هم دون البشر! تلك هي الحقيقة، و دعك من حقوق الإنسان، و حقوق الحيوان! والعولمة، والبهرجة، وعرض الأزياء! والحضارة، والتسامح… و غيرها من المفاهيم المعروضة للاستهلاك من لدن المغفلين. ألم تفهموا بعد أن قضية الغوطة أصبحت مجرد أقصوصة تتكرر بين الفينة و الأخرى، و أن نفس المشاهد ستتكرر إن في الغوطة، أو في حلب، و أو في رابعة، أو في البوسنة، أو في ميانمار، ما لم تقف الشعوب المكلومة وقفة رجل واحد من أجل رد الاعتبار قضية الغوطة هي قضية أمة، هي قضية نظام دولي، هي قضية خريطة وزعنا عليها عشوائيا؛ و ضرب بين أفراد الأمة الواحدة بسور في باطنه العذاب! و في ظاهره الرحمة!. نعم هي قضية أمة فقدت بوصلتها، وموقعها الحضاري فصارت تابعة تركض خلف أذيال الأمم، فصارت مجرد سوق للبضائع ومطرح للنفايات البشرية والصناعية، وحقل تجارب لكل أنواع النظم، و القوانين، والأسلحة، وهي أيضا ساحة حرب مفتوحة، بوسع من هب ودب أن يشن حربا متى شاء، و أن يختار العدو الذي يشاء فالأراضي مستباحة، والبشر حتما ميتون إن بأسلحة الغزاة، أو بالجوع، والأمراض الفتاكة، أو بحوادث السير، وأنواع المخدرات المنتشرة في كل بلدان الأمة !.

و أما إن أرادت هذه الأمة أن تتحرر فليس لها ذلك لأن الحرية لم تصنع لها!. قضية نظام دولي: فرض هيمنته على العالم، وسن قوانينه، و اقتسم الغنيمة، ووزع الأدوار في مجلس الأمن باكرا؛ حين كان العرب يستفتون في حكم التلفون لأن شيطانا يتكلم من داخله، وها قد أراد النظام الدولي أن يبقى الأسد على عرشه ولا معقب لقرار النظام الدولي حتى وإن كلف الأمر سوريا! بكاملها بل و حتى بلدان العرب بكاملها!، من سيوقف شلال الدم وطاحونة الأرواح؟ فمن يقرر الهجوم والقتل في هذا العالم لا تصله صرخات الأطفال، لأنه لا يشاهد الجزيرة، و لا برنامج “صباح الدم يا عرب” و لا تصله رائحة البارود، و إنما يجلس منتشيا في مكتبه المكيف…! و إن وصله ما يصلنا فربما يزداد انتشاء قائلا لمن حوله:” لقد قتلنا اليوم بعض الحشرات في الشرق الأوسط” !. مشكلتنا أننا أمة لها “ذاكرة سمك” سرعان ما تنسى ما مر بها، وتغرها زخارف القول، فتميل للراحة والنوم، ظانة أن هناك ديمقراطية دولية، وحقوق إنسان و هناك …في الحقيقة ليس هناك إلا الخراب! و قضية خريطة: وزعنا عليها عشوائيا، أو بحسب إرادة المستخرب و هنا يحق لي أن أقول جازما؛ بأنه لا يحق لأحد أن يتحدث عن فك الحصار عن الغوطة دون أن يتحدث عن فك الحصار عن نفسه ووطنه أولا!! تلك الحدود التي نرسمها على خرائطنا، هي التي تحاصر الغوطة قبل أن تحاصرها روسيا، لأنها مرسومة في داخل قلوبنا تحت مسمى المواطنة أي لكل منا وطنه؛ ولا يحق له أن يتدخل في شؤون الآخرين نعم تلك هي الحقيقة! كل بلد عربي رفع علما، وجلس نظام معين على اختلاف المسميات يحرس مصالح النظام الدولي، فالكعكة اقتسمها أسياد العالم باكرا، و ما يرى الآن ليست سوى مراسيم ضرورية لجمالية المشهد ليس إلا !. الغوطة، صرخات أطفال الغوطة، و شيوخ الغوطة، ليسو إلا حلقة في سلسلة، و الآن هو وقت العرض، و قبل الغوطة وحلب؛ كان العراق في 2003، و قبل العراق أفغانستان، و قبلها كانت جل الدول العربية حين اجتاحتها جحافل المستخربين شرقا وغربا، إنها نفس الأقصوصة تتكرر، والمتغير هو العنوان، و عنوان هذا المساء هو أقصوصة الغوطة! لكن مشكلتنا أننا أمة لها “ذاكرة سمك” سرعان ما تنسى ما مر بها، وتغرها زخارف القول، فتميل للراحة والنوم، ظانة أن هناك ديمقراطية دولية، وحقوق إنسان و هناك …في الحقيقة ليس هناك إلا الخراب!. من أجل الغوطة، وفلسطين، وميانيمار، وكل البقاع المكلومة في الأرض، أقول: ما حك جلدك مثل ظفرك، و ما دامت عقلية القطيع تطغى على الشعوب العربية، وما دام هناك نظام دولي يتحكم برقاب الشعوب، يدعم من يشاء ويقصي من يشاء، وما دامت هناك خريطة للمسلمين والعرب لم يرسموها بأنفسهم، فستبقى الغوطة مجرد أقصوصة تتكرر بين الفينة و الأخرى، في برنامج “صباح الدم يا عرب” الذي يبث كل صباح..

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة